دعا المفكر والفيلسوف أبو يعرب المرزوقي الى مواجهة الاستفتاء القادم الذي يعتزم قيس سعيد تنظيمه يوم 25 جويلية القادم بالاعتصام في الساحات .
وقال المرزوقي ان قيس سعيد يعيد سيسعى الى تزوير نتائج الاستفتاء وانا المقاطعة او التصويت سيعطيان شرعية للانقلاب ولن يمنع المنقلب من تزوير إرادة الناخب والترويج لصورة الاقبال على الاستفتاء لدى الجهات الدولية .
واعتمد المرزوقي على المنهج الخلدوني في وصوله الى هذه النتيجة حسب تحليله
وهذا النص الكامل الذي أورده أبو يعرب على موقعه الرسمي
المشكل
ما المشكل الذي علينا حله حتى نبطل كل تحيل في الاستفتاء إذا تمكن النظام الانقلابي من القيام به بعد أن اعد كل وسائل تزييف النتيجة إذا ما اكتفينا بالطريقة التقليدية التي تتمثل في المشاركة أو المقاطعة.هذا الاكتفاء هو الذي دعاه إلى خطة تغيير لجنة الانتخابات مع تكليف الداخلية بالنتائج لكأننا في بلاد ذات عراقة ديموقراطية تكون فيها الهيئات المشرفة محايدة والانتخابات نزيهة وشفافة.ودون أن أشكك في احد ودون أن احتاج إلى الحكم المسبق له أو عليه رغم أن الاستشارة كانت مناسبة حكم فيها الشعب بالمنطق المعتاد بعكس حكمه لما انتخبه.في انتخابه كان مؤيدوه 72 في المائة وفي الاستشارة نزل العدد إلى 5 في المائة ما يعني أن المقاطعة تعني عدم تأييده.ونسبتهم الفرق بين المشاركتين أي 67 في المائةفيكون الشعب قد عزله بعد أن عرف حقيقته.ولما رآى هذه النتجية التي لا جدال فيها اعد العدة حتى يتجنب نفس الامر في الاستفتاء.من هنا ما ذكرت من الاجراءات التحيلية التي لا يمكن أن يؤسسها على فساد هيئة الانتخابات السابقة لأن قوله ذلك يعني القدح في شرعيته اذ هي التي اثبتت حصوله على 72 في المائة.فما الحل حتى نلغي كل الاجراءات التي اعدها حتى يضمن نجاح مشروعه في تغيير الدستور بكل الطرق التي تمكنه من الاعلان عن النتيجة التي سيكون فيها الخصم والحكم؟ حتى لا يكون حكمنا هو بدوره تحكميا فهل توجد طريقة لتجنب الحكم المسبق ومنع التزييف وفرض الشفافية رغم كل الحيل؟ نعم توجد طريقة وهي منطقية وليس صدامية ولست صاحبها بل هي من ابداع ابن خلدون.
الحل
مرة اخرى ابن خلدون قدم الحل لكل محاولات تزييف طبيعة المعارك السياسية التي يمكن أن تحقق المقصود بتجاوز المنطق ثنائي القيمة الذي يتضمن مبدا عدم التناقض والثالث المرفوع. طبعا هو لم يضعها بهذا المعنى الصريح وإنما سماها عدم التاثيم في السياسة في نص شهير كتبه بمناسبة مسعاه لقلب صفحة الحرب الاهلية التي نتجت عن الفتنة الكبرى.وذلك في فصل ولاية العهد من باب المقدمة الثالث.بين ان التنازع بين القوى السياسية لا بؤدي إلى الحرب الاهلية إلا لظنها خاضعة لمبادئ المنطق السائد في عصره. فهي تنتهي إلى حرب أهلية وتتجاوز الجدل السلمي بسبب وهم العلم المحيط بالحقيقة في حين أن المعرفة فيها اجتهادية وليست مطلقة.ومن ثم فالمعركة السياسية ليست معركة بين من يمثلون الحقيقة ومن يمثولون الباطل.إذ حتى لو كان ذلك كذلك فالامر متعلق بما في السرائروالحكم يكون بالظاهر والله يتولى السرائر.ما هي طبيعة الرهان في المعارك السياسية إذن؟ إنه الاجتهاد لاختيار الأكثر والاقل صوابا في علاج ما تسعى إليه الجماعة التي تريد أن تحكم نفسها بوصفها جماعة بشر أحرار: هي نزاع التشاور والتحاور وليس نزاع التغالب والتناحر.هي اجتهاد تشاوري حول الاختيارات الاستراتيجية لتحقيق غايات الفعل السياسي من حيث هو قوامة الصالح العام كما عرفها في الفصل العاشر من الباب الاخير من المقدمة فصل علم الكلام: اجتهاد الجماعة لرعاية الصالح العام.لن أسيء الظن بأحد لجهلي بالسرائر ولكن يمكن أن أتأكد من خلال الظاهر ما دمت اشك بأن الحكم الانقلابي قد اعد العدة لكي يحدد مسبقا النتيجة سواء قررنا المقاطعة أو المشاركة بلا أو بالورقة البيضاء.المشكل ان الكثير يتصور الا مفر من ذلك: الخيار بين المقاطعة والمشاركة ثم في المشاركة الخيار بين نعم أو لا. والحل علته دائما توهم السياسة خاضعة لمنطق القيمتين رغم أنه حتى في هذه الحالة توجد قيمة ثالثة وهي بين نعم ولا و الورقة البيضاء.الحل: هو الانتقال إلى المنطق الذي يقارن بين ما يجري في المشاركة وما يجري في المقاطعة. المشاركة فعلان وليست فعلا واحدا: هي الذهاب لمراكز الانتخاب أولا ثم التعبير عن الاختيار ثانيا.لو قارنا هذا الفعل ببعديه لوجدناه مثل اللغة.
– فيها التعبير البدني وهو الذهاب إلى مراكز الانتخاب.
– وفيها التعبير اللساني وهو التصويت بنعم أو بلا أو حتى بالورقة البيضاءالمفروض أن تكون المقاطعة هي مثل المشاركة: ما يغيب فيها إذا اخذناها بمعناها الذي نستتنتجه من حل ابن خلدون.لنفرض أن الصحابة الذين تلكأوا بحجة عدم المشاركة في الفتنة ناظروا بين المشاركة والمقاطعة.هل كانت تقع الحرب؟ ابدا. لأن المقاطعة بالقعود في البيوت تتنافى مع قاعدة الحل القرآني للصلح بين الاخوة.ذلك هو الحل: كيف يمكن أن تكون المقاطعة هي بدورها مشاركة في بيان ذاتها كما تبين المشاركة ذاتها أي بالعبارة البدنية وهي الحضور والمشاركة اللغوية أي الخيار الثاني الدال على الرفض المثبت لذاته والذي يستحيل تزييفه.ذلك هو الحل: بدلا من القعود في البيوت يوم الاستفتاء الخروج إلى الشارع في الساحات للدلالة على عدم المشاركة في التصويت بصورة لا يمكن تزييفها. ولن يحتاج ذلك إلى صدام أو عنف ولا حتى إلى خطب وشعارات بل هو اعتصام في الساحات العامة للدلالة على رفض الاستفتاء.واخيرا فإن ذلك هو المنطق الذي لا يعتمد القيمتين حقيقة-باطل بل هو المنطق ذي القيم الخمس: الاجتهاد في إصابة الحق مضاعف باستراتيجة البعض قد يصيب وقد يخطي والاجتهاد في إصابته باستراتيجية تبدو مضادة قد تصيب وقد تخطئ.والتشاور الذي ينهي الخلاف هو تعبير كلا الاجتهادين سلميا على أفضل الاجتهادين الذي يلغي الحاجة إلى العنف هو التناظر بين الحضورين المثبتين لقاعدة الأغلبية السلمية في الاختيار اثباتا لا يمكن تزييفه في غياب الاطمئنان للمؤسسات المشرفة عليه. لو كنا واثقين من نزاهة الاشراف على الانتخابات لكنا مستغنين عن الحضور الثاني: وهو ما يتحقق في المجتمعات التي صارت الديموقراطية فيها من عادات الجماعة واخلاقها.أما ونحن في وضعية لم تصل بعد إلى هذه المرحلة اي في مرحلة الانتقال الديموقراطي الذي هو بالطبع شديد الهشاشة فهذه هي الطريقة الوحيدة لجعل النتجية تجمع بين الدليلين المادي والرمزي وهو ما اعنيه بعدم المقاطعة بالقعود في البيوت والحضور إلى الساحات العامة للاعتصام الدال على رفض الاستفتاء.والفضل بعد الله يعود إلى ابن خلدون الذي عرف طبيعة النزاعات السياسية وطرق الحد من غلوائها. وهذا الحل يفيد في التحرر من أدواء الماضي وبناء علاج المستقبل.
التعليقات