حذر تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” من عودة تونس إلى عصر الديكتاتورية، عبر انتهاج الرئيس التونسي قيس سعيد، ما أسمته بـ”الانقلاب البطيء” على المسار الديمقراطي في البلاد، والذي بدأ بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي عام 2011.
وقال التقرير الذي أعدته هبة صالح مراسلة الصحيفة، إن الرئيس سعيّد يقوم بتفكيك المؤسسات التي جعلت البلاد قبل عقد من الزمن منارة للديمقراطية في العالم العربي، مشيرة إلى إقدام السلطات مؤخرا على اعتقال زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان، الشيخ راشد الغنوشي.
ووصف التقرير سعيد بأنه “عنيد ولا يؤمن بمبدأ المعاملات”، فقد صور نفسه على أنه منقذ تونس في مهمة لإنهاء الكسب غير المشروع وحماية البلاد من “مؤامرات” الأعداء في الداخل والخارج. ولم يُخف سعيد أبدًا ازدراءه للديمقراطية البرلمانية.
وشددت الصحيفة البريطانية على أن الاقتصاد تدهور في ظل قيادة سعيد، فيما حذّر المسؤولون والمحللون الأوروبيون من انهيار وشيك، كما يتوقّع الاقتصاديون أن تتخلف تونس عن سداد ديونها، ويقول النقاد إن سعيّد يقدم خُطبًا لاذعةً ضد الفساد لكنه لا يستجيب لإستراتيجيات التعامل مع الأزمة المتفاقمة.
في ظل تفشي هذا الخطاب الخطير وتقلص الفضاء السياسي؛ تقول منظمات المجتمع المدني التي ازدهرت بعد الثورة إنها تتوقع أن تصبح الهدف التالي لغضب الرئيس
وفي ما يلي نص الصحيفة
في أحد أواخر أيام شهر رمضان خلال أفريل وقبل غروب الشمس مباشرةً والإفطار، اقتحم العشرات من رجال الشرطة التونسية منزل راشد الغنوشي (81 عامًا)، زعيم أكبر حزب سياسي في البلاد، واقتادوه إلى السجن.
بعد أيام قليلة، اتُهم الغنوشي، الرئيس السابق للبرلمان ورئيس حزب حركة النهضة الإسلامي المعتدل، بالتآمر ضد أمن الدولة ليبقى رهن الاحتجاز في انتظار المحاكمة. سيطرت الأجهزة الأمنية على مقر النهضة في تونس وحظرت عقد الاجتماعات في مكاتب الحزب الأخرى، في حين اعتُقل العديد من كبار مسؤولي الحزب.
هذا الزعيم الإسلامي هو السياسي الأكثر شهرة الذي اعتقل منذ أن استولى قيس سعيّد، رئيس تونس، على السلطة سنة 2021 وبدأ تفكيك الديمقراطية الفتية في البلاد. ففي الأسابيع الأخيرة، قُبض على أكثر من عشرة سياسيين ونشطاء وقضاة ونقابيين ومحرر مستقل بارز فيما وصفته منظمة العفو الدولية بـ “مطاردة الساحرات ذات الدوافع السياسية”. ويخشى الكثير من المراقبين أن تكون هذه الخطوات بمثابة نهاية الديمقراطية في البلاد.
يقول حمزة المؤدّب، الزميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط: “لقد مررنا بانقلاب بطيء حيث سعى سعيّد إلى تفكيك الديمقراطية على مدى السنتين الماضيتين”، مضيفًا أن “اعتقال الغنوشي دليل واضح على أننا وصلنا إلى نهاية التعدديّة السياسية”.
كانت ثورة تونس ضد النظام الدكتاتوري في سنة 2011 الشرارة التي أطلقت سلسلة من الانتفاضات الشعبية في جميع أنحاء العالم العربي. وخلال معظم العقد التالي، كان يُنظر إلى تونس على أنها مثال نادر للديمقراطية العربية؛ فرغم ما يشوبها من مشاكل معيبة إلا أنها تظل تعددية. ولكنها الآن في طريق العودة إلى الحكم الاستبدادي في عهد سعيّد، أستاذ القانون الدستوري السابق الذي فاز بالانتخابات في سنة 2019 ووعد بالقضاء على الفساد.
غالبًا ما يوصف سعيّد بأنه عنيد “ولا يؤمن بمبدأ المعاملات”، فقد صور نفسه على أنه منقذ تونس في مهمة لإنهاء الكسب غير المشروع وحماية البلاد من “مؤامرات” الأعداء في الداخل والخارج. لم يُخف الرئيس الشعبوي، الذي أوضح أنه يعتقد فقط أنه يدرك ما هو مناسب للبلاد، أبدًا ازدراءه للديمقراطية البرلمانية. لقد كان “خطابه السام”، كما وصفه أحد الدبلوماسيين، بمثابة موسيقى هادئة عندما كان يسعى لتشديد قبضته على جميع أدوات السلطة في السنتين الماضيتين.
في غضون ذلك؛ تدهور الاقتصاد في ظل قيادته وحذّر المسؤولون والمحللون الأوروبيون من انهيار وشيك، كما يتوقّع الاقتصاديون أن تتخلف تونس عن سداد ديونها، ويقول النقاد إن سعيّد يقدم خُطبًا لاذعةً ضد الفساد لكنه لا يستجيب لإستراتيجيات التعامل مع الأزمة المتفاقمة.
في أفريل بدا أنه يرفض شروط خطة الإنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار المقدمة من صندوق النقد الدولي التي طال انتظارها، قائلاً إن “الإملاءات من الخارج” التي من شأنها أن تزيد فقر البلاد “غير مقبولة” وأنه على التونسيين الاعتماد على أنفسهم.
في مارس، حذّر جوزيف بوريل، رئيس الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، من أن الدولة الواقعة في شمال أفريقيا تتجه نحو انهيار اقتصادي، وهو تقييم ردده وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي أشار إلى أن الاقتصاد التونسي يخاطر “بالسقوط في هوة عميقة” دون مساعدة صندوق النقد الدولي. في الإطار ذاته؛ يقول دبلوماسيون إن الوضع يشكل تهديدًا متزايدًا للاستقرار الاجتماعي.
تثير مشاكل البلاد قلقًا متزايدًا في أوروبا ولا سيما إيطاليا، لأن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية تقع على بعد 113 كيلومترًا فقط من تونس، ويخشى زعماء القارة من تدفق المهاجرين إذا غرق الاقتصاد التونسي في أزمة أعمق. وقد أوضح دبلوماسي غربي يعمل في تونس: “إذا لم يوافقوا على خطة صندوق النقد الدولي، فأنا لا أعرف ما هو البديل؛ لقد استنفدوا بالفعل المصادر الأخرى للاقتراض، ولا توجد خطة بديلة. يمكنك أن تشعر أن البلاد تسير على صفيح ساخن ومن المتوقع اندلاع شرارة اضطرابات سيكون سببها الاقتصاد”.
التعليقات