شنّت مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي في لجان حقوق الإنسان والعدالة والشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي هجوما لاذعا على السلطة التنفيذية في بروكسل، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية الأربعاء 13 مارس الجاري.واتُّهمت المفوضية الأوروبية بتمويل الطغاة من قبل كبار أعضاء البرلمان الأوروبي الذين زعموا أنّ مبلغ 150 مليون يورو الذي قدّمته إلى تونس العام الماضي في صفقة الهجرة والتنمية، انتهى به الأمر مباشرة في يد الرئيس.
استنساخ التجربة التونسية مع مصر
أعرب البرلمانيّون الأوروبيّون عن قلقهم بشأن التقارير التي تفيد أنّ رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، كانت على وشك إبرام صفقة مماثلة مع مصر.وأكّد وزير الهجرة اليوناني، ديميتريس كيريديس، الأربعاء الماضي، أنّه تم الاتفاق على إعلان مشترك بين الاتحاد الأوروبي ومصر وسيتم الكشف عنه رسميّا عندما تزور فون دير لاين وزعماء اليونان وإيطاليا وبلجيكا القاهرة الأحد.ونقلت صحيفة الغارديان قوله: “إنّ الاتفاق ينص على حصول مصر على حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو (6.3 مليار جنيه إسترليني) “معظمها في شكل قروض” مقابل “التزام البلاد بالعمل بجدية أكبر في ما يتعلّق بالهجرة”.وأضاف: “لقد قلت، الوقت والوقت مرة أخرى لزملائي إنّنا بحاجة إلى دعم مصر التي كانت مفيدة جدّا في إدارة الهجرة ومهمة جدّا لاستقرار شمال إفريقيا والشرق الأوسط على نطاق أوسع”.وأكّد كيريديس، الذي أجرى محادثات مع السفير المصري لدى اليونان الأربعاء، أنّه لم تكن هناك قوارب تغادر مباشرة من مصر، حتى لو ارتفع عدد المهاجرين الوافدين إلى الجزر اليونانية الجنوبية الذين يسافرون عبر ليبيا هذا العام.وقال: “مصر لا تستضيف فقط 9 ملايين لاجئ، بل كانت فعالة للغاية في السيطرة على الهجرة غير الشرعية”.واتّهم أعضاء البرلمان الأوروبي المفوضية برفض الإجابة عن الأسئلة المتعلّقة بالصفقة مع تونس، ويشعرون بالقلق من أنّها تنظر في سلسلة من الصفقات “المخصّصة” مع دول إفريقية أخرى دون النظر إلى الديمقراطية وسيادة القانون في تلك البلدان.
الاتحاد الأوروبي يموّل الطغاة
قال عضو البرلمان الأوروبي الفرنسي منير ساتوري، عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان: “يبدو أنّنا نقوم بتمويل الطغاة في جميع أنحاء المنطقة. وهذه ليست أوروبا التي نريد رؤيتها. إنّ هذا ليس المكان الذي ينبغي أن يتبوّأه الاتحاد الأوروبي في العالم”.وأضاف، في مؤتمر صحفي في ستراسبورغ، أنّ الأموال، التي تم التعهّد بها لتونس العام الماضي على أنّها جزء من اتفاق أوسع يهدف إلى الحدّ من زيادة الهجرة إلى إيطاليا وتهريب البشر، قد تم تحويلها.وتابع: “كان من المفترض أن يتم تحويل مبلغ الـ150 مليون يورو إلى تونس. ليتمّ استثماره بشكل مباشر في مشروع متفق عليه مع الاتحاد الأوروبي ولكن بدلا من ذلك تم نقله إلى الرئيس مباشرة”.وقال زملاؤه من أعضاء البرلمان الأوروبي إنّه كان هناك “تحوّل استبدادي” في تونس في عهد رئيسها قيس سعيّد، لكن المفوضين مضوا قدما في الصفقة على أيّ حال.وقال متحدّث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي إنّ أعضاء البرلمان الأوروبي يحقّ لهم التعبير عن آرائهم، لكن من الأفضل بناء شراكات لتحسين الديمقراطية وحقوق الإنسان بدلا من “قطع العلاقات” ورؤية الوضع يتدهور.وقال المتحدّث: “ما يمكنني قوله هو أنّنا مقتنعون تماما بضرورة العمل مع الدول المجاورة لنا، مع الأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض”.وتابع: “نحن نعرف الانتقادات المتعلّقة بحقوق الإنسان في تلك البلدان، ومن الواضح أنّ هذه القضية هي من القضايا التي نتناولها مع تلك البلدان”.وأضاف المتحدّث أنّ هناك “آليات محدّدة لمناقشة حقوق الإنسان مع دول المنطقة، بما في ذلك مصر”.
الأمور في تونس تسير نحو الأسوإ
قالت عضوة البرلمان الأوروبي الدنماركية كارين ملكيور، منسقة لجنة العدالة، إنّ مخاوف البرلمانيين بشأن صفقة تونس “يتم تجاهلها باستمرار”، وإنّ المفوضين رفضوا الإجابة عن أسئلتهم أو أخذ مخاوفهم على محمل الجد.كيف يمكننا الاستمرار في مذكّرة التفاهم، وكيف يمكننا تقديم دعم الميزانية دون شروط لتونس، والأمور تسير من سيّء إلى أسوإ؟ حسب قولها.وقالت ملكيور: “إنّ التوقيع على اتفاق مع الرئيس سعيّد، الذي يواصل قمع المعارضة والديمقراطية في تونس، ليست هذه هي الطريقة التي ينبغي أن يتصرّف بها الاتحاد الأوروبي. هذه ليست الطريقة التي ينبغي لفريق أوروبا أن يتعامل بها مع سياستنا الخارجية”.وهاجم رئيس لجنة حقوق الإنسان، أودو بولمان، ما وصفه بصفقة “الصمت” التي تم التعجيل بها.وقال: “يجب على اللجنة أن تشرح سبب وجود الكثير من الإلحاح في اتفاق الصيف الماضي. لماذا، سرّا، بسرعة كبيرة قبل عيد الميلاد، إنّها كانت “شديدة الإلحاح” وأعطت المال فقط … دون أيّ شيء نقاش حاسم”.وأضاف: “هذا سؤال موجّه إلى مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الجوار والتوسّع، أوليفر فارهيلي، وفون دير لاين”.وقال مايكل غاهلر، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والذي منعته السلطات المحلية من زيارة تونس العام الماضي، إنّه لا ينبغي التخلّي عن الشعب التونسي في مواجهة “حكم سعيّد الاستبدادي” والتدهور الاقتصادي.وقال: “هذا يتطلّب منا التأكّد من أنّ أموال دافعي الضرائب الأوروبيين تعود بالنفع حقا على الشعب التونسي والمجتمع المدني… ولماذا يجب أن يكون واضحا أنّ التمويل الأوروبي لتونس يحتاج إلى أن يكون مشروطا بشكل مناسب لتحقيق هذه الغاية”.
انتخابات البرلمان الأوروبي
تم التعبير عن هذه المخاوف هذا الأسبوع مع اقتراب ولاية البرلمان الأوروبي، التي تبلغ مدتها خمس سنوات، من نهايتها قبل الانتخابات في جوان مع حرص أعضاء البرلمان الأوروبي على وضع خطوط حمراء لأيّ صفقات مستقبلية تعتزم السلطة التنفيذية في بروكسل القيام بها.وقالت سارة بريستياني، مديرة المناصرة في المنظمة غير الحكومية الأورومتوسطية للحقوق، إنّها تشعر بالقلق من أنّ الاتحاد الأوروبي على وشك ارتكاب خطإ “إستراتيجي وسياسي” مماثل مع القاهرة، حيث تعهّد بمبالغ ضخمة من المال دون وضع شروط تنطوي على رقابة مالية كافية أو ضمانات بشأن حقوق الإنسان.وقالت: “سيكون خطأ، خاصة إذا تم تكرار صفقة تونس مع مصر”.وقال ساتوري، وهو أيضا المقرر الخاص للبرلمان في مصر: “نحن بحاجة إلى ضمان اتّباع الإجراءات الديمقراطية قبل صرف الأموال. هذه ليست الأموال الخاصة للمفوض فارهيلي، هذه أموال أوروبية”.
التعليقات