كان رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، مساء 25 جويلية 2021، يقف أمام البرلمان الذي جمّده قيس سعيّد، قبيل ساعات من انقلاب الأخير على الدستور، وكان الغنوشي يقول لرجال الجيش الواقفين على الجانب الآخر من الباب الحديدي المقفل “أنا رئيس المجلس أقف أمام المؤسسة التي أرأسها ويمنعني الجيش من دخولها”. واستنكر الغنوشي استخدام الجيش لتنفيذ قرارات سعيّد التي قال إنها “تنتهك الدستور ومبادئ الثورة”.
لم يكن سعيّد بحاجة إلى تلك اللحظة بالذات ليعرف أن القوة السياسية الأكبر التي يمكن أن تقف بوجه مشروعه هي الغنوشي وحركة النهضة، ولكن الرئيس التونسي كان يدرك قبل ذلك بأشهر أن الرجل الذي دعا حزبه للتصويت لصالح سعيّد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية هو المنافس الحقيقي له، وقد ولّد الصراع بينهما أزمة سياسية حقيقية في البلاد. بعد ذلك بأشهر، كان الغنوشي يقف مع عدد من الأحزاب والشخصيات اليسارية والليبرالية المهمة في البلاد، لتشكيل جبهة معارضة واسعة لسعيّد، تبيّن من خلال تظاهرات شعبية أنها القوة الأكبر التي يمكن أن تربك سعيّد ونظام حكمه، ولم ينتظر الأخير كثيراً لضربها في العمق واعتقال أغلب قياداتها وإقفال مقرات أحزابها.
في 17 أفريل من العام الماضي (تزامن مع شهر رمضان) ألقت الشرطة التونسية القبض على الغنوشي واقتادته إلى مقراتها، ليتم إيداعه السجن، ويبدأ كيل التهم له تباعاً في أكثر من قضية، وهو ما اعتُبر تحولاً في الصراع السياسي في البلاد عموماً، وبين الرجلين خصوصاً. وبعد اعتقال الغنوشي، صار توقيف الناشطين والمدونين والشخصيات السياسية الأخرى أمراً مألوفاً وغير مستغرب.
ويقبع في السجن اليوم كل من الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، ورجل الأعمال كمال لطيف، وعضو جبهة الخلاص الوطني رضا بالحاج، والناشط السياسي في “مواطنون ضد الانقلاب” جوهر بن مبارك، والناشط السياسي خيام التركي، والنائب السابق عن ائتلاف الكرامة راشد الخياري، والنائب السابق وليد جلاد، والقاضيين بشير العكرمي والطيب راشد، ومحمد بن سالم وعبد الحميد الجلاصي (استقالا من النهضة) ورجل الأعمال والقيادي السابق في نداء تونس رضا شرف الدين، والصحافي محمد بوغلاب، والصحافية شذى مبارك، ومدونون وناشطون ومواطنون بسبب تدوينات اعتُبرت مسيئة للرئيس أو داعية للفوضى أو غيرها من التهم المماثلة. بالإضافة إلى من أطلق سراحهم ولكنهم ما زالوا تحت التتبعات، أو هم في حالة سراح، مثل رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، والمحامي الأزهر العكرمي، وعضو جبهة الخلاص شيماء عيسى، وعميد المحامين الأسبق عبد الرزاق الكيلاني، ومستشار الغنوشي، رياض الشعيبي، وغيرهم.
عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي سمير ديلو، يقول في تصريح إعلامي، إن التهمة في القضية التي أودع بسببها الغنوشي السجن، تتعلق بالفصل 72 من المجلة الجزائية، أي محاولة تغيير هيئة الدولة، على خلفية الكلمة التي ألقاها في مسامرة رمضانية لجبهة الخلاص الوطني في رمضان 2023، ثم طاولته قضايا أخرى. ويبيّن ديلو أن “من بين القضايا الأخرى قضية شركة أنستالينغو (شركة إنتاج للمحتوى الرقمي، ووُجّهت له تهم الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة، وارتكاب اعتداء ضد أمن الدولة الداخلي وجرائم مالية، ضد عدد من العاملين بها والمتعاونين معها)، وصدرت في حقه بطاقة إيداع بالسجن من دون حضوره أمام القاضي، وقضية أخرى بسبب شكوى من نقابي أمني في تأبين أحد مناضلي الحركة”، مضيفاً أن “هناك حكمين أحدهما بسنة ونصف وتم نقضه، وحكم آخر بثلاثة أعوام”.
التعليقات