اعتبر فانسون جيسير Vincent Geisser عالم الاجتماع الفرنسي والخبير في العلوم السياسية والباحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية والمختص في شؤون العالم العربي أن تونس ربما تكون مقبلة على منعرج وربّما قطيعة في تاريخها المعاصر, مشيرا إلى أنه رغم الشرعية الشعبية القوية التي استمدها الانقلابي قيس سعيد من التصويت المباشر لصالحه وتوظيفه الماهر نسبيا للأزمة السياسية والاجتماعية والصحية، فإن سلطته تعتمد اليوم على تحالف مع قطاعي الجهاز الأمني الرئيسيين (وزارتا الدفاع والداخلية)
وأضاف جيسير، أن ذلك الدعم مكن سعيد من إلغاء كافة المؤسسات الديمقراطية في أقل من عام، وتحييد قدرة معارضيه على الاحتجاج ووضع المجتمع التونسي تحت الرقابة، وفي النهاية من تغيير النظام عبر دسترة شكل من الديمقراطية الهجينة تجمع بين الاستفتاء والاستبداد والهوية، مؤكدا على أن سعيد لن يستطيع المضي في مشروعه السياسي إلا بدعم من الشرطة والجيش اللذين يتحكمان في مناطق البلاد ويحكمان قبضهما على القطاعات الحيوية بالمجتمع.
وتابع الباحث السياسي: “قيس سعيد يعتبر أن له مهمة سماوية Messianique للإنجاز وأن لا شيء يمكن ان يوقفه عن تنفيذها.. وفي هذا الصدد ختم بالشمع الأحمر على الشعبية التي حازها إثر انتخابات أكتوبر 2019 وانقلاب 25 جويلية 2021 والتي يرى أنه بات من المستحيل الطعن فيها، ومن هذا المنظور هو يعتبر أن شعبيته لم تعد انتخابية فحسب وإنما شبه ربانية.
وبالحديث عن طبيعة العلاقة بين سعيد والأجهزة الداعمة له، قال فانسون جيسير: الأدهى من ذلك أن المسؤولين الأمنيين ينظرون إلى هذه مهمة دعم سعيد كتفويض محدود الأجل بينما يرى سعيد أن لا سقف زمنيا لها بما يعني أنه تفويضا على مدى الحياة.. لكن إلى حد الآن يبدو أن سعيد ناجحا في إرضاء حلفائه الأمنيين ولكن إلى متى؟ فمن الممكن أن يؤدي فقدان بعض المواد الأساسية الذي تشهده البلاد منذ عدة أسابيع مثل السكر والقهوة والأرز والفرينة الى جانب ضعف أداء الإدارة التي لم تعد تتلقى توجيهات واضحة من طرف الحكومة والتدهور السريع المسجل على مستوى الوضع الاجتماعي والاقتصادي بعديد الجهات، لتغيير المعطيات.
وأردف: “حاليا يحاول قيس سعيد التغطية على هنّاته في ميدان السياسات العمومية بخطاب شعبوي مركز على إدانة يومية للفساد والغش مقدما كأكباش فداء “السياسيين المحترفين” (أي الأحزاب ونواب البرلمان) وأصحاب مؤسسات يقول انهم يعملون بطرق ملتوية وحتى المصدرين والباعة بالجملة وصغار التجار الذين حسب كلامه يخزنون المواد الغذائية لممارسة الاحتكار وتجويع الشعب، وهذا خطاب كاريكاتوري وساذج يفسر الأزمة الاجتماعية بتصرفات إجرامية لأقلية من رجال أعمال ربما يعملون ضد الشعب والدولة.
واستطرد قائلا: “إلى حدّ الآن يلقي هذا الخطاب الشعبوي صدى لدى شرائح واسعة من المواطنين الذين يصدقون رواية وجود أعداء داخليين يتآمرون على مصالح تونس، لكن هذا الخطاب المبني على الاتهامات لا يحل أية مشكلة وقد يؤدي إلى تفاقم الوضع عبر خلق مناخ عدم طمأنينة واسعة النطاق لدى الفاعلين الاقتصاديين بالبلاد الذين تتزايد مخاوفهم من التعرض لانتقام شعبي (شتائم، اعتداءات جسدية، تحطيم تجهيزات، إلخ) والتتبعات القضائية (احتفاظ، إدانة وأحكام جزائية)
وتساءل جيسير: “إلى أي مدى يمكن لـ “الرعاة الأمنيين” لانقلاب 25 جويلية قبول الخلل الذي يضرب الجهاز الإداري وتعطيل السياسات العمومية بفعل تدخلات رئاسية غير ملائمة ولا مضبوطة؟” قبل أن يجيب: “لا يمكن استبعاد سيناريو عودة القبضة الأمنية خلال الأشهر القادمة لا سيما أن مخابرات الجيش عززت بشكل غير مسبوق تموقعها في إدارة شؤون البلاد، وقد يمثل ذلك منعرجا حقيقيا بل وحتى قطيعة في تاريخ تونس الحديث قد يصبح معهما الجيش لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية”.
سليم الهمامي
التعليقات